فصل: قال زكريا الأنصاري:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.مطلب مبايعة النساء، وبقاء أثر نياحة الجاهلية حتى الآن في الفرات وغيرها:

قال تعالى: {يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ يُبايِعْنَكَ عَلى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلا يَسْرِقْنَ} من بيوتهن ولا بيوت غيرهن شيئا {وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ} وأدا ولا بصورة أخرى {وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ يَفْتَرِينَهُ}
بأن يلصقن أولادهن بغير آبائهم افتراء {بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ} أمامهن، لأن كل ما هو بين يديك فهو أمامك {وَأَرْجُلِهِنَّ} تحتهن، وذلك أن الولد إذا وضعته أمه يكون ساقطا بين يديها ورجليها، فإذا قالت ولدي منك وليس منه فقد أتت ببهتان بين يديها ورجليها فضلا عن قولها وهذا زيادة في التحريض لهن على العفاف والصدق {وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ} تأمرهن به {فَبايِعْهُنَّ} يا سيد الرسل على هذه الشروط {وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ} عما مضى منهن مهما كان {إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ} لما سبق من عباده {رَحِيمٌ 12} بمن اتبع دينه وآمن بنبيه.
روى البخاري ومسلم عن عائشة قالت كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يبايع النساء بالكلام بهذه الآية وما مسّت يده يد امرأة لا يملكها.
ورويا عن أم عطية قالت بايعنا رسول اللّه فقرأ علينا الآية (أي هذه) ونهانا عن النياحة فقبضت امرأة يدها فقالت فلانة أسعدتني (أي بكت وناحت معها على فقيد لها) أريد أن أجزيها، فما قال لها النبي صلى الله عليه وسلم شيئا، فانطلقت ثم رجعت فبايعها.
وهذه العادة التي ذكرتها أم عطية موجودة حتى الآن في محافظة الفرات، حتى أن النائحة تقول:
يا من تدبني دموع أبكاها ** اليوم تبكي لي وغدا أبكي لها

وكذلك يوجد كلمات من كلمات الجاهلية مثل (يا عزاه) وغيرها، وكذلك في أعراب البادية وبعض المدن، حتى إن الدروز إذا مات رجل معروف ألبسوا ثيابه خشبة وزينوا فرسه وصاروا يندبون عليه، الرجال والنساء، فيخمشون وجوههم ويسخمونها ويشقّون ثيابهم ويقصون شعورهم ويصيحون بالويل والثبور ويعددون صفات الميت بما فيه وما ليس فيه ويتقابلون بالسيوف، حتى إن نساء العراق يسلخن ثيابهن لحد الصّرة حالة الندب، وهناك عوائد أخرى من بقايا الجاهلية سنأتي على ذكرها في الآية الثانية فما بعدها من سورة النساء إن شاء اللّه، وقد ألمعنا إلى شيء منها في الآية 136 من سورة الأنعام فما بعدها ج 2، وإنما ذكرنا الضمير لأن الرجال يشتركون معهن عند موت كبير فيهم فيندبون ويثأرون بالسيوف والرماح.
ورويا عن ابن مسعود أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: «ليس منا من ضرب الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية».
وأخرج أبو داود عن أسيد عن امرأة من المبايعات قالت كان فيما أخذ علينا رسول اللّه من المعروف الذي أخذ علينا أن لا نعصيه فيه أن لا نخمش وجهها، ولا ندعو ويلا، ولا نشق جيبا، ولا ننشر شعرا.
وأخرج النسائي عن أنس «أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أخذ على النساء حين بايعهن أن لا ينحن، فقلن يا رسول اللّه نساء أسعدتنا في الجاهلية فنسعدهن، فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم لا إسعاد في الإسلام».
وروى مسلم عن مالك الأشعري قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم «النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقوم يوم القيامة وعليها سربال من قطران ودرع من جرب».
وأخرج أبو داود عن أبي سعيد الخدري قال: «لعن رسول اللّه النائحة والمستمعة».
وأخرج الترمذي عن أمية بنت رقية قالت: «بايعت رسول اللّه في نسوة فقال لنا فيما استطعتنّ واطعتن، قلنا اللّه ورسوله ارحم بنا منّا بأنفسنا، قلت يا رسول اللّه بايعنا (قال سفيان يعني صافحنا) فقال صلى الله عليه وسلم إنما قولي لمائة امرأة كقولي لامرأة واحدة».
وهذه الآية نزلت مع سورتها في المدينة وما قيل أنها نزلت بمكة بعد الفتح لا صحة له وهو أوهى من بيت العنكبوت، وما استند إليه صاحب هذا القيل من أن هند زوجة أبي سفيان فيما بايعت رسول اللّه مع نساء مكة على الصفا قالت وهي مقنعة لئلا يعرفها حضرة الرسول بسبب ما فعلت بحمزة رضي اللّه عنه في واقعة أحد المارة في الآية 122 من آل عمران، إنك لتأخذ علينا أمرا ما أخذته على الرجال وقالت إن البهتان لقبيح وإنك تأمرنا بالرشد ومكارم الأخلاق، وقالت وما جلسنا مجلسنا هذا وفي أنفسنا أن نعصيك في شيء، ثم قالت ربيناهم صغارا وقتلتموهم كبارا حينما قال: {وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ} وقالت إن أبا سفيان لشحيح وأنا أحتسب في ماله قالوا وإن الرسول عرفها فقال: «إنك لهند» قالت نعم فاعف يا رسول اللّه قال: «قد عفا اللّه عنك»، وما قيل إنه قال لها هند أكالة الكبود، وإنها قالت له أني وحقود قد لا يصح، وقد يصح، والميل لعدم الصحة أولى، لأن مثلها كاملة لا تجابه رسول اللّه بمثل هذا الكلام، كما أن حضرة الرسول لا يعنف أحدا بعد إسلامه، فهذا وإن كان واقعا إلا أنه لا يدل على أن هذه الآية نزلت هناك، وإنما بايعهن بمقتضى هذه البيعة التي بايع عليها النساء في المدينة لأن اللّه تعالى لم ينزل بكل حادثة آية، فيكرر نزول الآيات بتكرار الحوادث بل آية واحدة لحوادث شتى وتطبيقها على ما يحدث بعد نزولها بتلاوتها من قبل النبي لا يعني أنها نزلت ثانيا وسبق أن بينا في سورة الفاتحة عدم صحة نزول آية أو سورة مرتين، قال تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} من اليهود وغيرهم {قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ} وحرموا من ثوابها لتكذيبهم محمدا صلى الله عليه وسلم مع علمهم بأنه مرسل من اللّه حقا لهم ولغيرهم {كَما يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحابِ الْقُبُورِ} (13) الذين ماتوا على كفرهم من أن يرجعوا إليهم وأن يبعثوا ثانيا لأنهم ينكرون البعث، وقد ختم اللّه هذه السورة بالمعنى الذي بدأها به تشديدا للكفّ عن موالاة الكافرين والمنافقين لأنها تعود على المسلمين بالضرر، ولا يوجد سورة مختومة بما ختمت هذه السورة في القرآن كله هذا، واللّه أعلم، واستغفر اللّه، ولا حول ولا قوة إلا باللّه العلي العظيم، وصلّى اللّه على سيدنا محمد وآله وأصحابه وأزواجه وذرياته أجمعين ومن تبعهم إلى يوم الدين آمين. اهـ.

.فصل في الوقف والابتداء في آيات السورة الكريمة:

.قال زكريا الأنصاري:

سورة الممتحنة مدنية.
{أولياء} صالح.
{بالمودة} لم يذكره الأصل وقال غيره تام. وفيه نظر.
{وإياكم} تام عند الجميع. وقيل وقف بيان. وقيل حسن. ولا أحب شيئا من ذلك لأن ما بعده متعلق به.
{وما أعلنتم} تام وقال أبو عمرو كاف.
{سواء السبيل} كاف وكذا {بالسوء}.
{لو تكفرون} تام وكذا {أولادكم} عند أبي حاتم والأولى فيه أنه وقف بيان.
{يفصل بينكم} تام هذا إن علق {يوم القيامة} بيفصل فإن علق بتنفعكم لم يوقف على {أولادكم} ولا {بينكم} بل على {يوم القيامة} وهو صالح ثم على {بصير} وهو تام.
{من الله من شيء} حسن وقال أبو عمرو تام.
{المصير} تام وكذا {الحكيم}.
{واليوم الآخر} حسن.
{الحميد} تام.
{مودة} صالح.
{رحيم} تام.
{إليهم} كاف.
{المقسطين} حسن.
{أن تولوهم} كاف.
{الظالمون} تام وكذا {فامتحنوهن}.
{إلى الكفار} حسن.
{يحلون لهن} كاف. وكذا {ما أنفقوا} و{أجورهن} و{ما أنفقوا} و{يحكم بينكم}.
{حكيم} تام.
{ما أنفقوا} كاف.
{به مؤمنون} تام.
{فبايعهن} صالح.
{لهن الله} كاف.
{رحيم} تام.
{غضب الله عليهم} صالح.
آخر السورة تام. اهـ.

.قال أحمد عبد الكريم الأشموني:

سورة الممتحنة:
بكسر الحاء أي المختبرة.
مدنية.
ثلاث عشرة آية اتفاقًا.
ليس فيها اختلاف.
وكلمها ثلاثمائة وثمان وأربعون كلمة.
وحروفها ألف وخمسمائة وعشرة أحرف.
{أولياء} تام. عند يحيى بن نصير النحوي على استئناف ما بعده وليس بوقف إن جعل {تلقون} نعت {أولياء} أو مفعولًا ثانيًا لتتخذوا أو حالًا من فاعل {تتخذوا} أي لا تتخذوا ملقين المودة وكذا إن جعل {تلقون} تفسير لاتخاذهم أولياء لأنَّ تفسير الشيء لاحق به ومتمم له.
قال الزمخشري فإن قلت إذا جعلت {تلقون} صفة لأولياء فقد جرى على غير من هوله فأين الضمير البارز وهو قولك تلقون إليهم أنتم؟
قلت ذاك إنَّما اشترطوه في الأسماء دون الأفعال و{تلقون} فعل أي واعترض أبو حيان كون تلقون صفة أو حالًا بأنَّهما قيدان وهم قد نهوا عن اتخاذهم أولياء مطلقًا قال تعالى: {لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء} والقيد بالحال والوصف يوهم جواز اتخاذهم أولياء إذا أنت في القيدان.
قال تلميذه السمين ولا يلزم ما قال لأنَّه معلوم من القواعد الشرعية فلا مفهوم لهما البتة وعلى أن {تلقون} مستأنف لا وقف من {تلقون} إلى {تسرون إليهم بالمودة} لاتصال الكلام بعضه ببعض فلا يوقف على {بالمودة} الأولى لأنَّ {وقد كفروا} جملة حالية وذو الحال الضمير في {تلقون} أي توادونهم وهذه حالتهم ولا على {من الحق} ولا على {الرسول} ولا على {وإياكم} لأنَّه معطوف على {الرسول} أي يخرجون الرسول ويخرجونكم وأيضًا قوله: {أن تؤمنوا بالله} مفعول {يخرجون} ومنهم من جعل {إن كنتم خرجتم جهادًا} شرطًا جوابه ما قبله كأنَّه قال يا أيها الذين آمنوا إن كنتم خرجتم جهادًا في سبيلي وابتغاء مرضاتي فلا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء.
{تسرون إليهم بالمودة} حسن.
{وأنا أعلم بما أخفيتم وما أعلنتم} تام. للابتداء بالشرط.
{سواء السبيل} كاف. ومثله {وألسنتهم بالسوء} على استئناف ما بعده.
{لو تكفرون} تام. ومثله {ولا أولادكم} إن جعل {يوم القيامة} ظرفًا للفصل وليس بوقف إن علق بتنفعكم وحينئذ لا يوقف على {بينكم} بل على {يوم القيامة} إذ يصير ظرفًا لما قبله فكأنَّه قال لن تنفعكم أرحامكم ولا أولادكم في هذا اليوم.
{بصير} تام.
ولا وقف من قوله: {قد كانت لكم} إلى قوله: {لأستغفرنَّ لك} وذلك أنَّ قوله: {قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم} إلاَّ قوله: {لأبيه} في معنى تأسوا بإبراهيم إلاَّ في قوله لأبيه على أنَّ الاستثناء متصل وهو مستثنى من قوله: {قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه} والمعنى إلاَّ قول إبراهيم لأبيه لاستغفرن لك فليس لكم في هذه أسوة لأنَّ استغفار المؤمنين للكافرين كفعل إبراهيم غير جائز، أنزل الله في ذلك {وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنَّه عدو لله تبرأ منه} ومن جعله منقطعًا وقف على قوله: {وحده} قال أبو حيان والظاهر أنَّه مستثنى من مضاف لإبراهيم فالقول ليس مندرجًا تحته لكنه مندرج تحت مقالات إبراهيم انظره إن شئت.
{من شيء} تام على الوجهين.
{أنبئنا} حسن.
{المصير} تام.
{كفروا} حسن. ومثله {ربنا}.
{الحكيم} تام. وبعضهم جعل قوله: {ربنا عليك توكلنا} إلى {الحكيم} متصلًا فلا يوقف على {حسنة} لأنَّ قوله: {لمن كان يرجو الله} بدل من ضمير الخطاب وهو لكم بدل بعض من كل.
{واليوم الآخر} كاف. للابتداء بالشرط.
{الحميد} تام.
{مودة} حسن.
{قدير} أحسن مما قبله.
{رحيم} تام.
{أن تبروهم} ليس بوقف لعطف ما بعده على ما قبله.
{وتقسطوا إليهم} كاف.
{المقسطين} تام.
{أن تولوهم} كاف. فـ: {أن تولوهم} و{أن تبروهم} بدلان مما قبلهما فلا يوقف على ما قبلهما.
{الظالمون} تام. ومثله {فامتحنوهن}.
{الله أعلم بإيمانهن} أتم. مما قبله قال ابن نصير أكره أن أقف على النون المشددة.
{إلى الكفار} كاف. ومثله {لهن} وكذا {ما أنفقوا} وكذا {أجورهن}.
{بعصم الكوافر} جائز.
{ما أنفقوا} كاف. ومثله {يحكم بينكم}.
{حكيم} تام.
{مثل ما أنفقوا} حسن.
{مؤمنون} تام. ولا وقف من قوله: {يا أيها النبي} إلى قوله: {فبايعهن} فلا يوقف على {شيئًا} ولا على {أولادهن} ولا على {وأرجلهن} ولا على {معروف} لأنَّ جواب {إذا} قوله: {فبايعهن}.
{وبايعهن} جائز.
{واستغفر لهنَّ الله} كاف.
{رحيم} تام.
{عليهم} جائز.
آخر السورة تام. اهـ.